معاناة شعب.. مشاركة للرئيس جميل في ندوة للمنتدى

جمعة, 20/01/2017 - 23:06

قد يكون من أصعب ما تحدث فيه الناس الذي يرونه ويشاهدونه فالحال هنا يغني عن المقال، وما يعيشه الناس في يومياتهم من مشاكل وما يتعرضون له من معاناة يغني عن الحديث .. ولكن الحديث عن هذه المشاكل وهذه المعاناة هو نوع من التضامن ورفع العقيرة بحال الوطن وساكنته، يواسي ويريح، فمسؤولية المعارضة ـ وهي موجودة خارج الحكم وتدبيره وتحديد توجهاته وأولوياته ـ هي الكشف عن حال الناس، هي الكشف عن عجز من يسوس أمرهم و يدبر حالهم فتلك لعمري مسؤولية كبيرة ودور مهم ..

صحيح أن أوجه المعاناة أكثر من أن تسعها ورقة أو ورقات ندوة أو ندوات ولكن حسبنا التركيز على بعضها والإشارة إلى آخر علما أن متحدثين آخرين سيتناولون أوجها هذه المعاناة لأن في الحالة المدنية معاناة، وفي سلوك الإدارة والقضاء معاناة، و الفساد أم المعاناة، واستهداف الوحدة الوطنية وممارسة التهميش والاسترقاق والحرمان كلها المعاناة بعينها، ومعاناة الوطن من السياسة الخارجية للنظام بادية للعيان .. وهكذا سيكون دورنا مشاركي وأنا في هذا الحديث (الاستاذة فطمة والأستاذ محمد السالك) هو حديث المعاناة الاجتماعية معاناة الخدمات وما يحتاجه الناس في حياتهم العادية واليومية.

ليس من السهل معرفة البداية في حديث المعاناة هذا، فكل زاوية تصلح (مجال أو منطقة أو مكون أو أسلوب)، ولكن التقسيم القائم على المعاناة العامة التي يشترك فيها الجميع والمعاناة الخاصة التي تعني منطقة أو قوى أو  مهنة أو مجالا هو الأنسب عندي.

ولعل المعاناة الأبرز في الدائرة العامة التي تطال الجميع هي معاناة الأسعار وهنا لا أكلم الناس عن أسعار المواد الأساسية وارتفاعها الذي أصبح أجود الحسبة عاجزا عن مواكبته وضبط إيقاعه سواء تعلق الأمر بالأرز او السكر او الزيت او بمشتقات غذائية عديدة أو بالحليب المجفف ولاعن الزيادات التي طالت وتطول المحروقات في ذاتها او في انعكاساتها على أسعار النقل والبضاعات المحمولة والمنقولة فهذه الأمور من المشهورية والتكرار بحيث نستغني عن تفاصيلها ولكن حسبنا هنا الوقوف عند:

أن سهم الأسعار يكون دائما في ارتفاع، فالحالات التي يحس فيها الناس باستقرارها في مستوى معين قليلة وأقل منها تلك التي يحسون فيها بعض التراجع.

أن المواد ذات الصلة بحركة الأسعار العالمية ـ وهي كثيرة ـ في ارتفاع مستمر سواء انخفض النفط أو توقف او زاد سعره، فعند الارتفاع يكون المبرر هو ارتفاع الأسعار عالميا وعند الانخفاض يكون المبرر هو الاستعداد والارتفاع حق والتعويض عن اثر سابق.

والملفت والمقلق والمخيف أن هذه الزيادات وهذا الارتفاع ـ الذي يتحول يوما بعد يوم الى سلوك لا منكر له ولا محتج عليه وتلك ظاهرة لنا في المعارضة مسؤولية فيها ـ لا تقابله سياسة اقتصادية واجتماعية مخففة سواء في مجال الرواتب وكفايتها او البرامج الاجتماعية الجادة التي تخفف الوطء على فقراء الناس ومحتاجيهم ..

لقد  أصبح ارتفاع الاسعار سلوكا مصاحبا للسياسة الاجتماعية للنظام بسبب ودون سبب في حال الرخاء وفي حالة الشدة عندما تكون الدولة ذات مال وإمكانات أو قاصرة اليد صعبة الحال ...

لقد ترك هذا الارتفاع ـ غير المبرر في عديد الأحيان ـ أثرا بالغا على الناس ضعفائهم وفقرائهم على نحو بين وخطير على الفئة المتوسطة التي بالغ القائمون عليها في تعديد مصادر الدخل قصد حياة كريمة مما أرهق وأتعب وعاد على مسؤوليات عامة تعليما وخدمة بالنقض والإضعاف وحتى الأغنياء تضرروا فالمجتمع ترابط والضرر يتعدى والمسؤوليات في هذه الحالة تتضاعف.

إن زيادات الأسعار المستمرة مقابل دخول محددة "في أغلبها عاجزة عن مواجهة الأتعاب بتراجع الأسعار" فأحرى وهي ترتفع جنونيا ومقابل بطالة منتشرة يعيشها المتعلم جدا وصاحب الدورة الظاهر في الحياة النشطة يضع المواطن في معاناة حقيقية.

لا يظهر أن الحاكمين يحسون بها فأحرى أن يعالجوها ويحلوا مشكلها ..

حين تصعب حياتكم المعيشية ثم تتردى الخدمات الأساسية فكيف تتصور حياة وبآلاتها وعيشا ونتائجه.

لا يمكن هنا حصر الخدمات المتردية ولكن في التعليم والصحة الكفاية فمعروف هو دور التعليم ومعروفة هي نتائج اصلاحه واتقانه.. وتلك شعوب ودول تقدمت وتألقت من هذا الباب.

 إن العملية التعليمية تنجح بخططها وبرامجها بكادرها وطاقاتها بوسائلها وتجهيزاتها والناظر لحال تعليمنا يصاب بالصدمة.

حقيقة لا يعوض منها حجم المخصصات لهذا القطاع (التهذيب اكثر من 45 مليارـ العالي قريب من 9 مليارات ـ الأصلي و ش إ 4 م) هذا حسب ميزانية 2016 المعدلة ... سيقولون انه شيدت مباني ـ طبعا غير كافية ويشكك البعض في موصفات بعضها ـ ولكن الناظر لحال تعليمنا عبثا بمصائر النوعيات فينا (الطلبة المهندسين) الذين يظلمون مهما عدلت ومهما حكم القضاء لصالحهم (مجموع الجامعيين) وضعف وغياب الكادر التعليمي نظرا للظروف والأجواء والمستحقات، ويشهد التعليم العام تراجعا متزايدا في جو أصبح  عامة العاجزين ماديا هم رواده فأهمل معهم وأهملوا معه، ويتسابق الآخرون من بعد في تعليم خاص يفتقد الضبط والمتابعة المناسبين ..

لقد استطاعت أمم وشعوب ـ لا ثروات عندها ولا نفط تعتمد عليه ـ أن تجعل من التعليم أساسا للتقدم ليس على المستوى المعرفي والتقني فحسب بل حتى على المستوى الاقتصادي والتنموي، أما نحن فالنظر قاصر والرؤية غائبة والحال مؤلم والمستقبل مقلق.

أما الصحة فقد أصم النظام آذان الناس بالحديث عن أجهزة وُفرت وبنايات شيدت، ومع ذلك تظل 20 مليار المخصصة للصحة إن صُرفت فيها على النحو السليم ـ والراجح العكس ـ عاجزة عن توفير صحة حقيقية لعامة الناس، والمشهد كما يعرفه الكثيرون:

ضعف بيّن في التغطية الصحية وضعف أشد في توفير الكادر البشري المناسب، فكم من منطقة في البلاد تفتقد مركزا أو نقطة وكم من منطقة إن وجدت مركز أو نقطة لم تجد الطبيب المناسب أو الممرض المناسب وإن وجدت اسما أو أسماء كان الغياب التام أو الغالب.

ضعف المتابعة والرقابة والمواكبة بحيث أصبح القطاع الصحي يعيش فوضى عارمة تؤثر على الخدمة المحددة المتوفرة ويتناقل الناس أنواع الأخطاء والتجاوزات وشيئا غير قليل من الزبونية والابتزاز ويتضرر في الغالب من هذا الأمر المواطنون الفقراء والذين لا نفوذ لهم ولا وساطة.

التركيز على الصحة الاستعراضية بدل الصحة القاعدية والصحبة الاستعراضية هي صحة الأجهزة ـ وحتى ولم تشتغل ـ وصحة البنايات ـ حتى ولو لم تكن تصلح للمجال ـ وصحة الدعاية وحتى لو لم يرها الناس في توفر الكادر ودقة التشخيص ورخص الدواء وحنان العناية واستمرار المتابعة ..

أما الصحة القاعدية والتي تحتاجها المرأة في الريف والطفل في القرى والتجمعات، والشيخ الضعيف في النواحي، تحتاجها المرأة الحامل والطفل المولود في ظروف صعبة والمنمي والمزارع والعامل كل في موقعه ومكان إنتاجه وعمله.

ولا يمكن الحديث عن المعاناة دون الحديث عن الأمن بمعناه القريب والبسيط .. تأمين المواطن في حياته ومعاشه وعرضه وسلامة سكنه .. لا يختلف اثنان من خلال الأخبار المنشورة وتلك المتداولة بين المواطنين أننا منذ حين نعيش وضعا أمنيا مزعجاً أزهقت فيه الأرواح وانتهكت الأعراض وسرقت الأموال واعتدي على الحرمات والمساكن، يحدث ذلك في أطراف العاصمة  ووسطها وولاياتها الثلاث، يحدث في الأحياء الفقيرة وتلك المتوسطة وتلك الراقية ..

لقد ربط الله على وجه النعمة والقيمة العالية بين الأمن الأمني والأمن الغذائي "... أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، وحين ترتفع الأسعار وتستعصي معيشة الناس وينتشر اللاأمن ويخاف الناس على ممتلكاتهم وأرواحهم وأعراضهم فلا إطعام من جوع ولا أمن من خوف رغم المخصصات (الدفاع 48.3) (الداخلية 27).

لقد اعتبر أحد كبار المفكرين أن الحالات اثنتان حالة شعب الدولة وحالة دولة الشعب فالأولى الشعب في خدمة الدولة وتلك صفة الدولة الاستبدادية والفردية، والثانية الدولة في خدمة الشعب وتلك صفة الدولة الديمقراطية والدولة الجماعية والدولة الصالحة مع الأولى ـ أي حالة شعب الدولة  المعاناة على أشدها وازدراء الناس سلوك مطلوب ومصدر الشرعية قوة الحاكم وهيمنته وتحكمه، ومع الثانية ـ أي حالة دولة الشعب علاج للمعاناة وخدمة للناس فهم مصدر الشرعية، والسلطة عندهم أجيرة وخادمة.

تلك بعض العناوين العامة ولكن إذا نظرنا إلى ساكنة الداخل وجالياتنا في الخارج سنقف عند:

إهمال وانقطاع وتردي الخدمات، تشهد على ذلك قرى وأرياف معظم ولايات الداخل وجولة في أطراف آمرج وضواحي تامشكط ونواحي باركيول ومحيط مقامة ومنكل وأجزاء معتبرة من مال واركيز وأوجفت والمجرية وولد ينج وعض بلديات سيليبابي والبير وحتى بعض نقاط نواذيبو شاهد حي على هذا الأمر.

وجود مشاكل حقيقية في خدمات أساسية خصوصا المياه الصالحة للشرب حيث تنتشر ظاهرة العطش وتصبح عديد المناطق تحت رحمة تدخلات طارئة كثير منها شعبي تطوعي كأننا في عصر ما قبل الدولة.

معاناة حقيقية لعديد الجاليات في حالتها المدنية على نحو مزعج وبدا في بعض الأحيان مستهدفا لمكونات وطنية أصيلة وفي حمايتها ومتابعة إشكالاتها ورعايتها وفي التدخل في وقته استباقيا فالعالم مضطرب وإشكال الأجانب مطروح هنا وهناك، ويكفي أن نستحضر حالة جالياتنا في الكونغو وأنغولا والمملكة العربية السعودية وفرنسا والغابون وغيرها من الدول لنرى كم هو التقصير الرسمي بعين وكم هي المعاناة والتحديات كثيرة.

طرح الناس وطرح المفكرون وطرح المؤرخون سؤالا قديما يتكرر كل مرة، والمراد من الدولة ما الفائدة في السلطة؟ ما القيمة في الحكومات .. إنها خدمة الناس رعاية شأنهم تلبية مطالبهم معالجة معاناتهم خصوصا إذا كانت تأخذ منهم الكثير (فقدر الضرائب في ميزانية تقدر بـ: ............ هو 320 مليار تزيد)! فأين رجعها وأين أثرها على الناس وما يطلبون حين يختل الميزان ويصبح الشعب أجيرا عند الحاكم فانتظر المعاناة، أما إذا أحس الحاكم بصفة الأجير كما قال أو مسلم الخولاني فانتظر العدل وانتظر الحاكم الخادم، ورحم الله عمر بن الخطاب حين عرف الحاكم بأنه أحد المسلمين مثله مثلهم ولكنه أكثرهم حملا وليس أكبرهم نصيبا.

فاعتــبروا.