الإسلاميون.. في مواجهة التحدي/ إخليهن ولد الرجل

أربعاء, 24/05/2017 - 13:06

لعلها معركة من أصعب المعارك التي خاضها الإسلاميون في تاريخهم المعاصر.. تلك المعركة التي تدور رحاها اليوم في دول الربيع العربي... وتحركها قوى دولية وإقليمية ويتقدم صفوفها رموز سياسية وفكرية وإعلامية معروفة بعدائها للمشروع الإسلامي.. إنها لحظات عصيبة وامتحان عسير يواجهه الإسلاميون اليوم.. بيد أنها معركة مفصلية وفارقة سيكون لها ما بعدها.. وستحدد مستقبل "الأفكار المميتة"(كما يسميها المرحوم مالك بن نبي) في ديار الإسلام.

 

أطراف فاعلة في المعركة

لست من أنصار نظرية المؤامرة – كما قلت في مرة سابقة – ولكن يبدو لي أن ما يدور اليوم في دول الربيع العربي ليس هو مواجهة بين الإخوان وخصومهم كما يتصور البعض أو يحاول أن يصور للناس، بل هو معركة حاسمة بين فكرتين: "الفكرة الإسلامية" و"الفكرة التغريبية" تشابكت فيها أطراف ثلاثة:

أولها: بقايا الأنظمة المستبدة التي كانت تمسك بمفاصل الدولة وتتحكم في كل شيء فوجدت نفسها فجأة وفي لحظة من لحظات الحياة ملقاة في العراء وقد جردت من كل شيء.

الطرف الثاني: النخب العلمانيةالمتطرفة، والتي لها عداء استراتيجي مع الإسلاميين، والتي ترى في مشروعهم خطرا يتهدد مشاريعها وينذر بانحسارها.. وقد وجدت في المعركة فرصتها، فركبت الموجة وسايرت التيار.

الطرف الثالث: هو الدول الغربية والإقليمية ذات المصالح في المنطقة، والتي ترى أن هيمنتها تتناقص ومصالحها تتقلص، وترى في الإسلاميين الخطر الحقيقي الذي يتهدد نفوذها في المنطقة.

 

أسلوب تفتيت الجهود

وقد اعتمدت المعركة الأسلوب العسكري المعروف بتفتيت الجهود، وتوسيع جبهات المعركة، من أجل التشويش والإرباك، وإظهار نتائج الثورات العربية بالمظهر السيئ المرتبط بالعنف وعدم الاستقرار.

فأشعلت المعركة في مصر، وارتفعت أصوات الناعقين في تونس – وقتل شكري بالعيد – والذي لا أستبعد أن يكون أصحابه قتلوه ليتخذوا منه ذريعة لمواقفهم السياسية(وهو أسلوب مكرر، وله نماذج كثيرة في التاريخ)، وتعالت أصواتٌ في اليمن وليبيا هدفها التخريب والهدم.

ومن ناحية أخرى يتفرج الغرب على ثورة سوريا ويعمل لإبطائها وإعاقة تقدمها حتى يكون في ذلك ترهيب لشعوب أخرى في المنطقة ربما كانت تنوي أن تتحرك وتقوم بعمل مماثل، ويتجاهل الغرب الحراك الثوري في العراق والأردن من أجل التقليل من شأنه.

ولست أنكر أن هناك عوامل موضوعية ساهمت في إشعال فتيل الفتنة، ولكن أزعم أن العامل المتعلق بمصالح ثلاثي (بقايا الأنظمة المستبدة، النخبة العلمانية، الدول ذات المصالح في المنطقة) هو العامل الرئيس الذي حرك جموع المخربين.

 

إلى أين نحن سائرون؟

إن الإسلاميين يواجهون لحظة حرجة، ويخوضون معركة استراتيجية من أقسى المعارك التي خاضوها في تاريخهم، وإذا ما خرجوا منها منتصرين– وهو ما نتوقعه– فسيكون ذلك بداية لدورة حضارية جديدة، وسيحدث تحولا في معادلة الصراع، وإذا ما كانت الأخرى فسيكون على حملة المشروع الإسلامي أن يستأنفوا البناء من جديد.

إنها معركة حاسمة وليس أمام الإسلاميينفيها إلا المضي قدما مهما كانت التكاليف، ولا مجال هنا للتراجع أو التنازل مع ضرورة الحيطة والحذر وعدم الانفعال وتجنب الاحتكاك... فإن أي نوع من أنواع التراجع أو التنازل سيعيق تقدم المشروع الإسلامي ويعيده للوراء قرنا من الزمن... فلا بديل للإسلاميين عن الصبر والتصلب في المبادئ والمواقف... والزمن كفيل بحسم المعركة لصالحهم... فالمعركة في جوهرها معركة نفوس وإرادات، ومن كان صبره أطول وإرادته أقوى فسيكسبها.

 

ثم ماذا بعد؟

وحينما نتجاوز قراءة جزئيات الأحداث إلى سنن الحياة وقوانينها الكبرى، فإننا يمكننا أن نحكم واثقين بأن هذه السنن توحي بأن الإسلاميين سيكسبون المعركة مهما كانت جزئيات الأحداث توحي بعكس ذلك، وذلك لعدة أمور:

 

أولها: أن التغيرات الكبيرة والتحولات الاستراتيجية لا بد لها من ضريبة وثمن، ومن يظن أن الحياة تتحرك بدون محركات، أو أن النصر يأتي بلا تكاليف فهو واهم ولا يفقه قوانين التدافع.. والإسلاميون اليوم إنما يدفعون ضريبة النصر والتمكين.

وتاريخ الثورات الأوربية - التي ظلت رحى فتنها دائرة سنين عديدة قبل أن تستوي على سوقها - ليس منا ببعيد... ويكفي أن نتذكر أن الثورة الفرنسية التي كانت فاتحة عقد هذه الثورات تطلبت عشر سنين (من سنة 1789 إلى سنة 1799م) كي تتجاوز دوامة العنف، وتقضي على "الثورة المضادة".

والأمر الثاني: أن المجتمع الإسلامي يستعد للإقلاع ويحاول أن يتجاوز مرحلة ما قبل الحضارة كما يرى مالك بن نبي، في حين أن الحضارة الغربية تشيخ وتقف على أعتاب النهاية وتقترب من مرحلة ما بعد الحضارة.. "والهرم من الأمراض المزمنة التي لا يمكن دواؤها ولا ارتفاعها" كما يقول عبد الرحمن بن خلدون... والحضارات المقبلة تتحمل من الهزات ما لا تتحمله الحضارات المدبرة.

والأمر الثالث: ما قاله أبو مسلم الخراساني، حين قيل له: أي الناس وجدتهم أشجع؟ فقال: "كل قوم في إقبال دولتهم شجعان". وهو قانون مهم من قوانين حركة الحياة اكتشفه أبو مسلم الخراساني وألهمته به تجربته العسكرية، وتتجلى مظاهره اليوم في الروح النفسية العالية والمعنويات المرتفعة لدى الشعوب المسلمة، ولدى الحركات الإسلامية.

والأمر الرابع: هو سنة التداول التي أشارت إليها الآية الكريمة "وتلك الأيام نداولها بين الناس".. هذه السنة التي جعلت وتجعل سير التاريخ لا يأخذ خطا واحدا، بل يأخذ شكل "الدورات" فكما يتم التداول بين الليل والنهار كذلك يتم التداول بين الأمم والحضارات.. فكلما تناهت أمة من الأمم في الصعود تتوقف عن النمو ثم تأخذ بعد ذلك في الهبوط والانحدار كما لاحظ ابن خلدون.

 

وبعد..

فإن الأزمة مستحكمة، ولا يبدو أن هناك حلا – على الأقل في الأفق القريب – وإذا لم تراجع جماعة المعارضة مواقفها... فإن الصراع في المنطقة بات بحاجة إلى حسم سريع ووضع نهاية له، قبل التوجه إلى تحديات الاقتصاد وتوفير المعاش للمواطنين، وإرساء قواعد دولة المؤسسات والقانون.

وعلى الإسلاميين أن يفهموا أن الشعوب العربية لم تنتخبهم ليأخذوا دور الوعاظ أو ليكونوا مشيخة دينية هدفها المحافظة على نصاعتها وسمعتها وأن يشهد لها الجميع بالوسطية والاعتدال ونبذ العنف والاعتراف بالآخر.. وإنما انتخبتهم ليواجهوا إكراهات الحكم، وليستخدموا سلطان الدولة وهيبتها في معاقبة الجناة والخارجين على القانون.

 

مقال منشور في موقع الأمة بتاريخ 28/05/2014