د. أحمد سالم ولد فاضل يكتب: التواصل الاجتماعي والرأي العام.. التأثير العميق

خميس, 21/09/2017 - 10:29

أحدثت ثورة التعبير الفردي التي أطلقتها مواقع التواصل الاجتماعي نقلة كبيرة في مجال التعاطي مع الرأي العام وصناعته؛ وذلك لأنها غيرت الكثير من المفاهيم، وقلبت راسا على عقب نظرية الاتصال التقليدية التي كانت قائما على رسالة ومرسل ومستقبل، فقد غيرت أداة النقل وكسرت احتكارها من طرف المرسلين الكبار، وجعلتهم في أغلب الوقت مستقبلين، بعد أن كانوا مرسلين كل الوقت.

لقد غيرت هذه الثورة من بين ما غيرت أيضا طريقة النقل، وبالتالي محتوى الرسالة إلى حد ما، وذلك بإلغاء الكثير من عمليات التنقيح، والتنميط، والإخراج التي كان المحتوى يخضع لها من منتج الرسالة قبل النشر، والتوزيع. وكذالك أختفى دور دور حارس البوابة ولقد جعل هذا التغيير المحتوى يخرج إلى المتلقين من دون أي غربلة، كما جعله في كثير من الأوقات غير دقيق بالمرة، ولذا فإن التفاعل معه سيشبه تلقائيته، بل وغوغائيته أحيانا.

 

المواطن الصحفي

لقد أصبح لكل مدون قناته التلفزيونية، وموقعه الألكتروني الخاص، ولذلك أصبح كل صانع قرار متلقيا، لأنه معني بالرأي الذي يصدر عن المواطنين في القضايا التي يباشر العمل عليها.

وقد أدت طبيعة العلاقات، والتأثر المتبادل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى تغيير اهتمامات كثير من المواطنين الصحفيين؛ فبدل إبداء الرأي فيما يستجد من قضايا، ونشر أخبارهم الخاصة، واتسعت اهتماماتهم فأصبحوا ينقلون الأخبار العامة، وتطور بعضهم إلى أن أصبح منصة للنقاش الحر، وإبداء الرأي، وأصبح بعضها منصة للأخبار.. ولا أريد ضرب أمثلة لكني أكتفي بالإشارة إلى بعض الصفحات على المستوى الوطني التي انفردت بأخبار حصرية، ومعلومات دقيقة، وأخرى انفردت بمقالات رأي وقصص عن أشخاص مختلفين... ومن المفارقة أن هذه الصفحات كانت بأسماء مستعارة، إضافة إلى صفحات أخرى لصحفيين وإعلاميين لا يملكون مؤسسات صحفية، لكن صفحاتهم تشهد تفاعلا كبيرا.

 

التأثير في المؤثرين:

لقد أدى هذا التغيير في دور النخب، من مصدر حصري للأخبار والمعلومات والآراء إلى متلق لكل ذلك، أدى إلى جعل التأثير الذي يخلقه هذا الإعلام مضاعفا، فإذا كان صانع الرأي التقليدي، أو صانع القرار يؤثران في الرأي العام، والمواطنين العاديين، فإن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ارتقى إلى صناعة رأي صناع الرأي.

لذلك من فإن تأثيره في الرأي العام الوطني، وصناعة هذا الرأي أصبح تأثيرا مضاعفا.

إن هذا التأثير لم يقتصر على صانعي القرار، أو صانعي الرأي العام أفرادا، بل انتقل إلى المؤسسات أيضا.

أثناء التحضير لهذا المقال لفت نظري أحد الأصدقاء المهتمين بالمجال إلى ما عبر عنه بثلاثية التأثير في مؤسسات الإعلام التقليدي؛ وشرح الفكرة على النحو التالي:

تقع وسائل الإعلام التقليدية في مثلث من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي؛ في إما أن تأخذ منها المحتوى وتنقله عنها، وإما أن تصدر إليها المحتوى التقليدي بصيغته الأصلية، وإما أن تنتج لها محتوى خاصا بها، ولذلك، أصبح بإمكاننا القول إن هناك حالة من الاشتباك والتكامل تقع وسيلة الإعلام التقليدية في موقع المتأثر وتقع مواقع التواصل الاجتماعي في موقع المؤثر.

ويمكن الزيادة على فكرة صديقي بأن وسائل الإعلام التقليدية تعرف نوعا رابعا من التأثير هو انتظار صدى ما تنشره ورأي المواطن فيه عبر هذه الوسائل، وهي مسألة لا يجوز إغفالها في هذه الحالة لأنها تعطي لأنواع التأثير السابقة معنى أعمق، وأقوى، فهي التي تنعكس من خلالها التأثيرات السابقة، لأن هذه الوسائل ستقوم مستقبلا بتغيير المحتوى وتطويره بناء على بعض الآراء والانتقادات التي يوجهها المتلقي، كما ستقوم بالتركيز على القضايا التي تثير اهتمامه، وعلى نوع المعالجة الذي يجلب متابعته. كما ستقوم باستحداث محتويات يطلبها.

ومن الواضح أنه في وسائل إعلامنا التقليدية، ولدى نخبنا عموما، ما زال مفعول هذه التغييرات ضعيفا، بالمقارنة مع حجم حضورها العالمي.

وهنا يجب التنبيه إلى أن السياسيين والمسؤولين يضيعون فرصة لا تعوض في التعاطي مع المواطن الذي يفترض أنهم يبحثون عن رأيه في أعمالهم، وآرائهم ومواقفهم.

في كل دول العالم اليوم تجد صفحات موثقة للسياسيين والمسؤولين والهيئات الحكومية تتفاعل مع مطالب المواطنين، وتزودهم بالمعلومات عن الأحداث والمواقف، وتطلب أحيانا رأيهم في بعض الخدمات المقدمة، أو تستطلع اهتماماتهم، وتطلعاتهم في قضايا ما زالت قيد النقاش.

لقد أدت هذه الثورة إلى فرض حالة من الحرية لم يعد بالإمكان التعتيم عليها، أو توقيفها عند حد معين، ولذلك من الحكمة التعاطي معها بإيجابية، وعدم محاولة لجمها أو التحكم فيها لأن نتائج ذلك قد تصبح وخيمة.

 

حافة الفوضى:

إن هذه الثورة ليست إيجابيات كلها، بل فيها جوانب سلبية على قدر كبير من الخطورة؛ فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكانا لنشر الشائعات والأخبار المفبركة، أو غير الدقيقة، وهو ما يؤدي إلى خلق توترات اجتماعية، واقتصادية في بعض الأحيان، مما له أثر سلبي، خاصة في مجتمع غير محصن تماما مثل مجتمعنا.

إنه من الخطر بمكان أن يصل مجتمع مثل مجتمعنا إلى حافة الفوضى، ويصبح مهددا بالانزلاق إلى تفاعل غير محسوب من فئات مختلفة مع أخبار غير دقيقة، أو موجهة بشكل خاطئ.

إن هذا المقال يمثل دعوة إلى النخب، والمؤسسات أن تلتفت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التفاتة جدية ليس بهدف قمعها، أو كبتها، فذلك غير مبرر البتة غير ممكن، غير مجدٍ، وإنما للاستفادة منها، والتفاعل مع محتواها خدمة للمجتمع، وتعاطيا مع المواطن، لتحقيق التنمية والانسجام الاجتماعي، وإشراك المواطن في القرار.