الرئيس جميل.. عَوْدٌ إلى التدبير/ بقلم د. محمد عبد الله لحبيب

جمعة, 10/08/2018 - 14:17

كل البوابات التي يمكن الدخول منها إلى شخصية الرئيس محمد جميل منصور مشرعة على مصاريعها، فقد تكاملت أبعاد شخصيته، حتى لكأنها قيست بمسطرة دقيقة.

رجل التحديات

ذات نقاش عبر أحد السياسيين عن امتعاضه قائلا إن بعض الشرائح الموريتانية تمارس تميزا حتى في تسمية أبنائها، فقرر أن يرفع هذا التحدي بإطلاق اسم صحابي أسود على أحد أبنائه؛ فجاء بلال.

تعطي هذه اللقطة العابرة أحد المفاتيح الكثيرة لشخصية الرئيس محمد جميل منصور؛ إنها الاستجابة للحظة برفع نهائي للتحدي!. تصاحب هذه الخصلة الفتى اليافع وهو يدرج بين أقرانه في مجتمع تيارت منتصف عقد السبعينيات، يتنقل بها بين مدارس العاصمة الفتية ومسارح العمل الشبابي والثقافي فيها.

وفي ريعان الشباب تحتد النقاشات فيستعرض بعض ناشئة الأيديولوجيا عضلاتهم، فيرفع جميل التحدي بتعلم فنون الدفاع عن النفس.. وتذهب النقاشات الفكرية بعيدا فيرفع جميل التحدي بأحمال من الكتب ينوء بها كاهله في سوح المدارس منافحا عن قناعاته.

وتكون الاستجابة لتحدي الميوعة والنزعات الفكرية الوافدة بانخراط واع في العمل الإسلامي الحركي، صعد بجميل ليكون إحدى الأيقونات في السياسة والثقافة والفكر، وليكون استثناء في النخبة الموريتانية.

تستحق قصة التحدي التي جاءت بجميل منصور إلى صفوف شباب الحركة الإسلامية وقفة خاصة؛ فهي نوع من التحدي امتزجت فيه الكبرياء، بالأصالة، بعنفوان العقل، بعاطفة الوفاء، بحس الموازنة، بحصافة الوعي، بعمق الإيمان.

كان منطق القرابة والجوار، والتأثر، يقتضي أن ينخرط جميل في شباب التيار الناصري، وكانت بدايات هذه "النتيجة الطبيعية" قد بدأت تتشكل إلى أن جرى بحضور جميل حوار استحيا أن ينصر فيه أخاه الشقيق على ضيفهما، فانحاز للضيف انحيازا استمر إلى اليوم... وظل برا بالأخ وإن اختلف درباهما في السياسة والثقافة، والحياة العامة.

قارع جميل أسوار السجن بالخروج منها تحديا، والعودة إليها تحديا؛ فعندما سجن مع رفاقه منتصف التسعينيات (1994) بعد إعادة تأسيس الحركة الإسلامية، غادر السجن ليلا على حين غرة من السجان، وظل مختفيا يحرك خلايا التنظيم في العاصمة والداخل، إلى أن انفرجت الأزمة بخروج رفاقه من المعتقل.

وبعد لجوئه إلى أوروبا إبان أزمة نظام ولد الطائع والإسلاميين 2003 وعندما شعر أنه يقدم خدمة للنظام بابتعاده عن الشارع؛ سلم نفسه إلى مخالب المنظومة العسكرية المتخبطة في أزمات سياسية وأمنية واجتماعية، وحط وضحَ النهار في مطار نواكشوط غارسا رجله في مستنقع الموت، وقال لها: "من تحت أخمصك الحشر".

عندما سقط نظام ولد الطايع "بتغيير كي لا يقع التغيير" على حد تعبير أحد الخبراء الدوليين، رفع ولد منصور، مع رفاقه التحدي، وخلقوا لأنفسهم شرعية الأمر الواقع، بعد أن ضنّ عسكر الثالث من أغسطس 2005 بالشرعية القانونية، فقاد سفينة الإصلاحيين الوسطيين، ربان ماهر، في زي مناضل لا تعيق أسوار المنع حركته.

  وفي مرحلة الشرعية القانونية للتيار الإسلامي واجه تحديا من نوع آخر، واستطاع رفعه بجدارة، والأفواه فاغرة من وقع صدمة الاستثناء في التاريخ، والسياسة، وسلوك النخبة، محليا.

سلم ولد منصور قيادة المشروع الذي نما وترعرع على يديه، وقد انتشرت أشرعة الإنجاز، وبسقت فروع نخلة العطاء، والتميز، وتبوأ حزب التجمع الوطن للإصلاح والتنمية (تواصل) موقع الصدارة في القوى السياسية الوطنية.

اختار القائد أن يتأمل السفينة وهي تواصل سيرها، والموج يصافحها بسكينة، والأيدي تلوح بشارة نصر مسبحة بحمد ربها.. لاهجة بالدعاء لقائد حصّنها بشورى القيادة، وحررها من عقد دعاوى الزعامة الأبدية.

وها هو ولد منصور، وهو في مفتتح عقده السادس (ولد 1967) يضرب موعدا جديدا مع التاريخ لإنجاح تجربة المج…