المحظرة بين الإهمال والتضييق / الشيخ سيدي محمد حيلاجي

أربعاء, 15/03/2017 - 11:16

 *لامراء أن المحظرة الشنقيطية ظلت منارة علم ورباط فتح لهذا البلد منذ عهد المرابطين الى عهد الدولة الوطنية الحديثة ،فهى التي حفظت دين وهوية وأخلاق هذا البلد ، ولولاها لكان خبرا بعد عين ، فكيف قامت بهذه المهمة رغم شح الوسائل والإمكانات؟
-وكيف صمدت أمام منافسة المدرسة الحديثة؟
 *لقد كان الشناقطة بدوا رحلا في(صحراء الملثمين) في هذا المنكب البرزخي السائب ،يتنقلون على جمالهم من مكان الى مكان يتتبعون مواقع القطر :يقرأون كتاب الله ويدرسون المتون العلمية في حلهم وترحالهم كما وصفهم شيخ المحظرة الشنقيطية المختار ولد بونه:
ونحن ركب من الأشراف منظم**أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة **بها نبين دين الله تبيانا.
 لم تمنعهم قساوة الطبيعة وشظف العيش والتنقل من التشبث بالمحظرة ومناهجها وطرق تدريسها والهوان في سبيل طلب العلم حيث خرجت هذه المحظرة آلاف العلماء والعباقرة الذين بيضوا وجوه الشناقطة أين ماحلوا في مشارق الأرض ومغاربها من أمثال محمد محمود ابن التلاميذ التركزي،وابن فال الخير الحسني،والمختار ول بونة الجكني،وسيد عبدالله العلوي،وأحمد ابن الأمين صاحب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، ولمجيدري ول حبل اليعقوبي ،ويحظيه بن عبد الودود وتلامذته ، وبابه ول الشيخ سيديا ومدرسته...الخ القائمة الطويلة ، تعلموا بوسائل شحيحة :(لبن خلفة من الإبل أو البقر أو حبات من الذرة تسلق أو تمضغ كما هي خلال 24 ساعة)
*صمدت المحظرة رغم شح الوسائل بسبب ورع مشائخها وطلابها وتواضعهم وتغربهم  وتضحيتهم في سبيل العلم شعارهم :
(له تغربْ وتواضعْ واترعْ**وهن وجع واعص هواك واتبع)
فكانو يطلبون العلم لله وفي سبيل الله لاللشهادة ولا للوظيفة فنفع الله بعلمهم الناس وانتشر في كل مكان.
 *اعتبر الاستعمار الفرنسي المحظرة حجر عثرة أمام مشروعه الاستعماري والثقافي فلم يستطع القضاء عليها لأنها خط أحمر بالنسبة للشعب الموريتاني ، فأنشأ مدارسه الحديثة ومنح طلابها وضمن لهم الوظيفة والعمل،وأدرج العربية مكرها ليروج لمدارسه ،ورغم ذلك ظل شيوخ المحاظر يؤدون رسالتهم العلمية وينفقون من جيوبهم المتواضعة على الطلبة لوجه الله رغم أنف المستعمر.
 *وتراوحت سياسة الدولة الوطنية الحديثة تجاه المحظرة بين الإهمال والتضييق والاحتواء والتجاهل في معظم الأحيان ، الا أن الجفاف ،والهجرة من الريف الى المدينة ،وهوس البحث عن الوظيفة ولقمة العيش ضرب المحظرة في الصميم ، ولم يبق من المحاظر الجادة المقاومة الا القليل (عشرات فقط).
 *وفي الآونة الأخيرة سُربت أنباء أن الدولة تفكر في غلق كل محظرة لاتتوفر على ترخيص !! فمتى كانت المحظرة تحتاج الى ذن أو ترخيص مادامت الدولة لاترعاها ولاتنفق عليها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :(بلغوا عني ولو آية)ويقول:( تعلم العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، واذا كان من حق الدولة أن تحافظ على أمنها وتراقب من يدخل أراضيها في عصر التطرف والغلو ، فعليها وعلى رجال الأعمال أن يشجعوا المحاظر الجادة التي تخرج العلماء المتبعين وذلك بدعم شهري وسنوي معتبر غير مشروط ،وبانشاء أوقاف يخصص ريعها لطلبة العلم النافع علم الحلال والحرام.
 *لقد كانت المحظرة الشنقيطية تاجا على رأس هذه البلاد حافظ على دينها ،وعلى لغتها وعلى هويتها طيلة عشرة قرون ، فعلى الساسة والفاعلين والنخبة والمحسنين أن يعيدوا الاعتبار للمحظرة التي تنشر العلم النافع لله وفي سبيل الله: وذلك بتنظيم وتشييد أوقاف جادة بالمليارات يرعاها مجلس اقتصادي وعلمي وفقهي مستقل تحكمه نظم لاسلطة للدولة عليها ينفق على المحاظر والمعاهد الجادة التي تخرج العلماء المتبعين. (ان أريد الا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب)