بالعكس .. على فرنسا أن تعتذر

اثنين, 19/01/2015 - 17:23

أثارت حادثة قتل هيئة تحرير شارل ايبدو الفرنسية  المعروفة بتعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية عبر رسومها الساخرة،موجة من  النقاش أبانت عن حصول  وعي متطور وقدرة على بناء مواقف متزنة.

حيث تم التساؤل من جديد حول تعريف القتل والتطرف، فالقتل  الذي تسيل فيه الدماء بالرصاص قتل. والقتل الذي تسيل فيه الدموع، وتشق فيه القلوب بالإساءة بالرسم قتل. أما التطرف فهو ما التقت حلقتاه في حادثة شارلي أبدو.

لقد أبان درس  “شارلي ابدو”   بوضوح أن الأصولية العلمانية كانت، ولم تزل، أفدح خطراً على السلم والحياة الإنسانية من الأصوليات الدينية. فحرية التعبير  لا تعني تسفيه أديان الآخرين وإهانة مقدساتهم ،وهو ما كان على فرنسا أن تعيه وهي  الدولة الغربية الوحيدة التي تمنع التظاهر ضد “إسرائيل” وتسجن من يشكك بالمحرقة وتعاقب من يعادي السامية .

كما أعادت الأحداث الأخيرة تسليط الضوء على ازدواجية المعايير في تطبيقات مفهوم حرية التعبير،  فصحيفة شارلي ابدو نفسها فصلت صحفيا انتقد ابن ساركوزي لتحوله لليهودية، وقناة CNN تفصل وتضايق حد الاستقالة صحفييها بسبب تغريدات لا تعجب الصهاينة حول شارلي ابدو، في حين أن سب المقدسات الإسلامية حرية تعبير، يتقدم النتن ياهو مسيرات الاحتجاج على قتلاها الصحفيين وهو الذي قتل الآلاف في الحرب الأخيرة على غزة بينهم عشرات الصحفيين .

لقد سجل موقف المسلمين الرافض لإهانة مقدساتهم باسم حرية التعبير تفهما واسعا في النخب والجماهير الأوربية رغم موجة الكراهية والتجييش الإعلامي والنفسي ، حيث نقلت وسائل الإعلام  عن بابا الفاتيكان  رده على مراسل سأله “إلى أي مدى يمكن لحرية التعبير أن تصل؟”، فأجابه قائلا : “نعم لحرية التعبير، لكن إذا تفوّه صديقي بكلمة سيئة عن أمي، فعليه أن يتوقع لكمة”،وقريبا من ذلك عبر رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دوفليبان.

وأظهرت نتائج استطلاع  أجراه معهد “آيفوب” ونشرت نتائجه صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”،أظهر استطلاع للرأي الأحد 18/01، أن  42% من الفرنسيين يؤيدون عدم نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، و أكدوا أنه يجب أن تؤخذ ردود الفعل هذه بعين الاعتبار ويجب التوقف عن نشر هذا النوع من الرسوم الكاريكاتورية” .

لقد ظهر في التطورات الأخيرة التي أعقبت أحداث شارل ايبدو ،موقفا جديدا تمثل في رفض المسلمين للاعتذار عن أفعال ارتكبها آحاد استفزت مشاعرهم وقاموا بما قاموا به من دون مشورة أحد ،في الوقت الذي لم يكلف أحد في الغرب نفسه عناء الاعتذار للمسلمين عن جرائم فظيعة ارتكبت باسم دول ومؤسسات .

إن التوحش والهمجية لا يمكن أن تلصق بالإسلام فماضي فرنسا الاستعماري  مليئ بالفظاعات ولعل أبلغها أثرا  الطابع البريدي الصادر  فيها عام 1922م وتظهر فيه رؤوس المسلمين المغاربة  متراصة على أحجار ،وفظاعاتها في الجزائر وأشهرها  التفجيرات النووية في الصحراء  التي راح ضحيتها عشرات الآلاف.

لقد نجح ديفيد هيرست في التعبير عن أصل المعضلة ،عندما كتب مؤخرا مقالا بعنوان ” لم يبدأ التاريخ في باريس يوم الأحد” وجاء فيه :” بعد قرن من التدخل العسكري – أثناء الحقبة الاستعمارية وما بعد الحقبة الاستعمارية – نشأ صنفان من الضحايا ،هناك أولئك الذين لهم أسماء ووجوه يعرفون بها ،ومنهم الجنود المتساقطون في ساح الوغى ،والرهائن التي تعدم ،وهيئة تحرير شارلي ابدو ،وهناك أولئك الذين لايزيدون عن كونهم أرقاما ،إنهم ملايين الجزائريين والعراقيين والسوريين والمصريين والفلسطينيين ،الصنف الأول ينتمي إلى فقاعة اسمها “الدفاع عن الحرية” ،بينما ينتمي الصنف الثاني إلى الفوضى والهمجية في العالم العربي  حسب وجهة نظر الصنف الأول”.

إن فرنسا مطالبة بالاعتذار لمسلمي العالم لما تسببت فيه من رعاية رسمية لحملات الإساءة للمقدسات الاسلامية وما ارتكبت في الماضي من فظاعات وما تعامل به اليوم  سكانها المسلمين من عنصرية وحرمان من العمل وحرية اللباس ،مما يناقض قيم الحرية والديمقراطية التي تدعي الدفاع عنها.

إن الأمة مطالبة بتنظيم مظاهرات سلمية لتسجيل اعتراض شعبي عالمي على الإساءة إلى نبينا محمد، خاتم المرسلين  ،وعلى الحكومات الإسلامية التدخل لدى الأمم المتحدة لإصدار قانون دولي يجرم ازدراء الأديان السماوية وأنبياء الله تعالى”،لما يجره من عواقب وخيمة تغذي  العنف والصراع، وتنمي الكراهية بين الشعوب .

 

سيد أعمر ولد شيخنا