لمـن نصوت ؟/ سيداحمد محمد السالك

خميس, 30/08/2018 - 02:09

قد تبدو الممارسة الديمقراطية، في شكلها، روتينا بسيطا نسبيا؛ تسجل على اللائحة الانتخابية، تتأكد من ظهور اسمك عليها، تتابع الحملة الانتخابية في حدود ظروفك واهتماماتك، تقف في الطابور يوم الاقتراع، تختفي خلف الساتر وفي يديك خمس لوائح سيحدد تصويتك عليها شخصيتك، ووعيك، وموقفك الوطني... فإذا توزع صوتك بين ترهيب وترغيب ووعد كاذب وخدعة زائفة واحتيال مفضوح فأنت شخص لا لون له، ولا طعم لخياراته، تساهم بشكل غير واع في تشويه العملية الديمقراطية التي تتيح لك التعبير الحر عن رأيك والمساهمة الواعية في اختيار من سيمثلونك لخمس سنوات قادمة.."
فتصور أنك اخترت اللائحة البلدية لأن أباك موظف يخاف من الفصل وحلف لك أن تصوت لحزب الاتحاد لتضمن له استمرار وظيفته , واخترت اللائحة النيابية المحلية لأنك خريج تحمل الدكتوراه في الجلوجيا والمعادن ووعدك الجنرال المنحدر من مقاطعتك أن يوظفك إذا صوت لصالح نائب حزب الاتحاد , واخترت اللائحة الوطنية لحزب الاتحاد لأن استدعيت من قبل الوالي وأنذرك بالفصل التعسفي إن لم تدعم حزب الاتحاد , واخترت الجهوية لحزب لاتحاد لأن رجل أعمال ناجح ونائب في البرلمان عن حزب معارض فدعاك وزير المالية ومعه مدير الضرائب والجمارك وأبلغوك بضرورة التخلي عن المعارضة أو القبول بالافلاس تحت ضغط ابتزاز الضرائب والجمركة والتوريد فاستقلت مكرها لا بطلا , واخترت النسائية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية لأن رجال مخابرات عزيز أخذوك إلى شقة فيها مجندة استخبارات فسلمت عليك وقالت لك إما أن تصوت لصالح لائحتنا النسائية وإلا فإني سأرفع عليك دعوي التحرش ومحاولة الاغتصاب وهؤلاء شهود عيان سيشهدون عليك أنك اختطفتني من شارع لكبيد بمساعدة أولاد لبلاد .
ثم تصور أن الموريتانيين كلهم ساروا سيرتك وحذوا حذوك فكيف سيكون مصير وطنك خمس لوائح لحزب واحد ليس طاهرا ولا مطهرا يكتب أقلامه بلغة إبليس الأنانية و يخاطب كبيرهم الذي علمهم السحر الناس بلغة فرعون ما أريكم إلا ما أري وأنا ربكم الأعلى ... حكم بالاستبداد واستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين جثم على صدور الناس سبعا شدادا وثلاثا عجافا تلك عشرة كاملة من النهب والسلب والتجهيل والتقتيل على الطرق المهترئة فكانت النتيجة ...
" سؤال بسيط تجيب عليه إجابة صحيحة يجنبك الصراع بين عقلك وعاطفتك ومصالحك وقراباتك وصداقاتك.. لماذا أصوت، ولمن أصوت؟
تحدد الإجابة على السؤال الأول الإجابة على الثاني. فإذا كنت تصوت لتمارس حقك الذي يكفله لك الدستور في اختيار ممثليك الذين سيديرون الشأن العام لوطنك نيابة عنك لفترة محددة تحاسبهم بعد انقضائها فتجدد الثقة فيهم، أو تحجبها عنهم حسب أدائهم، فإنك ستصوت للبرنامج السياسي الذي تعتقد أنه الأقدر من بين البرامج السياسية المنافسة (إن وجدت !) على تحقيق المصلحة الوطنية العليا. "
في هذه الحالة بإمكانك أن تفكر في التصويت لكل حزب وتقارن مجتهدا في الأصلح حسب رؤيتك إلا حزبا واحدا فلن يسمح لك ضميرك ولا دينك ولا خلقك ولا عقلك ولا إنسانيتك ولا شهامتك ولا كرامتك ولا واقع طريق الألم ولا ألم سالكي ذلك الطريق إلى مقبرة مشفى الأنكولوجيا أن تحاول حتي مجرد التفكير في التصويت له ذلك هو حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلا إذا كنت كلبا أو حمارا أو وتدا فإذا كنت أحد الثلاثة فلا يستغرب عليك ذلك لأن المثل يقول : (( الكلب يروم خناق )) أي (( الكلب يحب ويتبع من يخنقه )) ولأن الشاعر الحكيم يقول :
ولا يقيم على ضيم يراد به. •••  إلا الأذلان عير الحي والوتد.
هذا على الخسف مربوط برمته ••• وذا يشج فلا يرثى له أحد.
أما غير حزب الاتحاد فهي أحزاب : بعضها نبت من حبوب بعثرة الحزب الجمهوري الطائعي فهي جداول من بحر السياسية الآسنة يتنفس فيها سمك الحزب الحاكم الذي لم يجد ماء في بحيرة الأطلسي المسروقة فهو يدخلها ويخرج منها مثل حيتان القرية التي كانت حاضرة البحر ويطاردهم عزيز إبان هذه الحملة في يوم سبتهم .
 
وبعضها نشأ استجابة لتعددية ديمقراطية بشر بها معاوية مكرها تحت ضغوط الأمم المتحدة والغرب ومنظمات حقوق الإنسان وكل فيها حسب نيته ورؤيته والله حسبه وحسبه فكان لها الحزب الحاكم وضباط الجيش بالمرصاد كلما صوت لها الشعب زج بقادتها في السجون وزور نتائج انتخاباتها على محاضر مكاتب التصويت وملئت صناديقها تحت شجرة في فلاة من الأرض من الذين يشهدون الزور وإذا مروا باللغو كرعوا فيه لئاما.
وبعضها نشأ في أرض المواطنة الطيبة وسقي بماء المرجعية الإسلامية والهوية الحضارية للمجتمع واتخذ من الخيار الديمقراطي مطية للتناوب السلمي على السلطة فأثمر مؤسسية تزهر بعقول المنفتحين وأفكار المسترشدين وقلوب المؤمنين وعطاء المخلصين فقال قائلهم لما تراءا الجمعان كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين وقال رائدهم : ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون فقطعوا بتواصلهم جسور الحزب الحاكم فصعب عليه العبور برا فطار العزيز على أثر شيخه الخارج منذ سنوات من باب العزيزية بعد ما عز عليه النزول على طرق عزرائيل فتطير به المواطنون كالغراب الأسحم فقالوا له إنا تطيرنا بك فقال لهم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ولأصلبنكم فقالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض فخرجوا إلى صناديق الاقتراع ليعبروا بها إلى بر الأمان فأدركهم العزيز وجنوده فأدركه الغرق في لجة التصويت وكفى الله المؤمنين القتال .
إذا كنت متنبئا صادقا فلن يجتاز الحزب الحاكم عتبة الثلاثين بالمائة من البرلمانيين ولن يعدو نصف المجالس الجهوية ولن يفوز بأكثر من نصف العمد في البلديات وإذا انحازت إليه فلول المغاضبين دعما ومساندة فلن يصل للخمسين بالمائة من مجموع الناخبين وإذا صدقت تلك النبوءة فتلك نهاية وبداية لها ما بعدها في تاريخ وطننا الذي يستحق .
 
سيداحمد محمد السالك