رؤية تواصل حول الوحدة الوطنية ( التوقيت والمضامين)

أربعاء, 21/01/2015 - 22:58

يجمع المتابعون للشأن السياسي الوطني  - أو يكادون - وما فيه من أحزاب ومنظمات على أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) من أكثر الأحزاب حيوية ومواكبة للهم الوطني نقدا و توجيها ؛ تصويبا واقتراحا، وفي إطار هذه الحيوية الإجابية تأتي الرؤية التي نشرها "تواصل" هذا المساء حول الوحدة الوطنية ممثلة في ملفيها الأكثر إلحاحا ( مشكل الاسترقاق ومشكل الزنوج ).

 

وإسهاما في تعميق النقاش حول مشكل الوحدة أتوقف مع هذه الرؤية الوقفات التالية :

 1- توقيت الرؤية :

 

 تأتي هذه الروية في وقت حساس من تاريخ الوطن ، وفي لحظة بالغة الدقة ، وفي خضم أحداث كبرى تهدد بشكل مباشر كيان الدولة الموريتانية ؛ وهو ما جعلها تكستب أهمية قصوى – فضلا عن كونها صادرة عن  حزب يمثل تيارا عرف بطرحه الوحدوي المنبني على المرجعية الإسلامية - ، إن هذه الرؤية تأتي في ظل جملة من الأحداث التي تتنعكس سلبا على أسس التعايش السلمي بين مكونات هذا المجتمع منها :

      -  الأحكام الأخيرة التي صدرت بحق مدافعين عن ضحايا الاسترقاق ، وهي أحكام غير مؤسسة على أدلة ، وغير مبررة ؛ ذلك أن التهم التي وجهت لهؤلاء – حتى وإن ثبتت – لا تتماشى وقوة الأحكام الصادمة لكل المتابعين لمجريات المحاكمة .

-         قمع المشاركين في مسيرة " الميثاق " ؛ وهو القمع الذي نشأ عنه إصابة بوبكر ولد مسعود المعروف بهدوئه وتوازنه في الدفاع عن ضحايا الاسترقاق دفاعا متوازنا ؛ وكأن النظام يدفع بكل أبناء شريحة لحراطين إلى التطرف في الخطاب والممارسة .

-         مؤتمر افلام الأخير وما صاحبه من تعسف من السلطة القائمة في ترخيص المؤتمر ، والتعاطي بإيجابية مع الخطاب والرؤية الجديدة التي تطرحها حركة افلام ؛ والهجوم الإعلامي الشرس الذي تعرض له الأستاذ محمد جميل منصور بسسب حضوره للمؤتمر ، وكأن السلطة تريد أن تدفع بالجميع إلى العمل غير القانوني .

-         التقصير الواضح في عمل الحكومة في التغلب على إشكالات كبرى تتعلق بالتحسين من ظروف أبناء شريحة لحراطين ( مشكل أطفال تقادة ) ، ومشكل دمج وتعويض العائدين إلى الوطن .

كل هذه الأحداث وغيرها كثير يجعل من توقيت إصدار هذه الرؤية توقيتا حساسا ؛ وهو ما يمنح الرؤية أهيمة قصوى ؛ وينبئ عن حس وطني بضرورة التحرك الجاد للوقوف أمام الكارثة الماثلة للعيان ، تلك الكارثة التي يقبل عليها هذا الوطن إن لم يتحرك عقلاؤه تحركا مؤسسا على ضرورة العدل والمساواة ..

 

2- المضامين

 

توزعت الرؤية في مجملها إلى محاور أربعة ( مدخل عام ، منطلقات الرؤية ، معالم الرؤية ، أوليات الرؤية ) ؛ والذي يهمنا في هذه الوقفة هو الرؤية في أولوياتها ، لكن قبل الوقوف مع أولويات الرؤية أقدم ملاحظات حول المضمون بشكل عام :

-         تبدو الرؤية مسندة في التأسيس على ركن ركين من التشريع الإسلامي خطابا وممارسة ؛ وهو ما يعطيها قوة إقناع في مجمتع ما زال الوجدان العام فيه يتأثر بالخطاب المسنتد على الشرع أكثر من غيره ، كما تدعم  ذلك الاستناد القوي على التشريع الإسلامي بالإشارة إلى مشاريع عملية وجدت تاريخيا على هذه الأرض إعطاء لأمثلة حية تأكيدا على أن العودة إلى هذا المسار ممكنة إن تخلقنا بمقومات تلك الفترات التي تم فيها التطبيق .

-         الجنوح إلى التعميم دون التفصيل في بعض الأحداث التاريخية المفصلية ؛ والتي أثرت تأثيرا بالغا في وحدة هذا الوطن وهو ما لا ينبغي في رؤية يسعى أصحابها إلى إعطاء وصفة ناجعة لعلاج مشكل الوحدة الوطنية ، فالخطوة الأولى هي التشريح الصريح قبل إعطاء العلاج ؛ لأن العلاج بدون تشريح قد لا يؤتي الثمار المطلوبة .

-         غياب قضية لمعلمين بشكل شبه كلي ؛ وهو ما لا ينبغي حيث إن هذه القضية هي الأخرى أصبحت حاضرة بقوة في الحياة اليومية للمجتمع وكان ينبغى أن تعطى هي الأخرى من الأهمية ما تستحقه ؛ من تحليل للأسباب وإعطاء للعلاج ؛ فهذه الشريحة عانت هي الأخرى من ظلم تاريخي بل ما زالت تعاني منه حتى اليوم ؛ فإن لم يكن الحزب ينوى إصدار وقة حول هذه القضية ؛ كان عليه أن يفرد لها حيزا في هذه الرؤية القيمة .

وهنا نأتي إلى الرؤية في أولياتها لأقول إن الأوليات التي ودرت في الرؤية أولويات ملحلة كلها ؛ لكن بعضها يتعلق بالدولة سلطة سياسية وإدارات تنفيذية ؛ وبعضها بإمكان الحزب القيام بخطوات مملموسة فيه ؛ إعطاء للنموذج التطبيقي وتحفيزا للآخرين ؛ وتأكيدا على الجدية في الموضوع ، ومن القضايا التي بإمكان الحزب القيام بخطوات عملية فيه هي :

-         الإعلان المباشر عن تشكيل جهاز مركزي تابع للحزب يتنبى بشكل علني المطالب المشروعة المتعلقة بمشكل الوحدة الوطنة ،و يقوم بمهمة تنزيل هذه الرؤية إلى أرض الواقع وفق استراتيجية شاملة تعتمد التواصل مع كل مكونات الطيف الوطني من مجتمع مدني ؛ وأحزاب سياسية ؛ وهيئات حقوقية ؛ وشخصيات مجتمعية.

-         تفعيل جهاز مكافحة الرق الذي أنشئ سابقا ؛ والذي لم يقم بما كان متوقعا منه – ربما لوجود ظروف استثنائية مر بها البلد-؛ ولكن تفعيله اليوم بات أمرا ملحا خصوصا في ظل الهزات المتلاحقة التي تعاني منها الوحدة الوطنية .

-         الإعلان المباشر عن تطبيق عملي بين بعض قادة الحزب ؛ وخصوصا في نقطة المصاهرات المتبادلة وهو ما سيعطي للورقة زخما أكثر ، ومصداقية أكبر ، وفتحا للباب أمام آخرين بإعطاء النموذج العملي الواعي .

-         الإعلان عن مشروع دعم تعليمي وتنموي يستهدف المناطق الأكثر تهميشا( آدوابة ، لكصور) ؛ يتم من خلاله تنزيل النقاط المتعلقة بإشاعة الثقافة الإسلامية و آداب الأخوة الإسلامية ؛ ودعم التعليم الأصلي ...

إن هذه الرؤية الجيدة في مضمونها الموفقة في توقيتها تكون أجود لو شفعت بخطوات عملية – خصوصا تلك التي بمقدور الحزب القيام بها - ؛ وهو ما نرجوا أن يتم التغلب عليه من خلال إنشاء جهاز مركزي للحفاظ على الوحدة الوطنية وترسيخها وفق مبادئ الشريعة الإسلامية ؛ يكون من برنامجه العاجل :

-         القيام بمهرجانات في المدن الداخلية تشرح مضامين هذه الرؤية الجيدة والجريئة لتصل إلى أكبر قدر من أبناء هذا الوطن ؛ فأهل الداخل هم المعنيون بها أكثر خصوصا في آدوابة ولكصور .

-         تنظيم ندوات أكاديمة حول الورقة تقدم قراءات نقدية للمضامين يتم فيها إشراك أكبر قدر ممكن من المهتمين بشأن الوحدة الوطنية .

-         السعي إلى عقد مؤتمر وطني حول الوحدة الوطنية يقدم فيه كل المعنيين بالوحدة الوطنية رؤاهم حول ه؛ تصدر عنه وثيقة تسمى وثيقة العيش المشترك ؛ وتلزم السلطات الحاكمة بتطبيقها .

-         تنظيم حوارات ولقاءات إعلامية ونشر مقالات حول الورقة ؛ سعيا إلى بلوغها لأكبر قدر من المهتمين.

 

وختاما تتعبر هذه الرؤية متقدمة في طرحها ؛ موفقة في توقيتها ومضامينها ؛ تؤكد أن القائمين على تواصل يواكبون اللحظة بما ينبغى أن تواكب به من إرشاد وتوجيه ووضع للبدائل ؛ والكرة الآن هي في ملعب السلطة القائمة ، فإن شاء استفادت مما ورد في الرؤية في معالجة الاختلالات القائمة في مجال الوحدة ؛ وإن شاء ت غير ذلك فسيأتي اليوم الذي تعترف فيه بصواب ما جاء فيها ، ولكن بعد فوات الأوان، والفرصة سانحة أمام المهتمين بالوحدة الوطنية من أجل جعل هذه الورقة أرضية لنقاش وطني حول الوحدة الوطني يفضي في ختامه إلى إعادة التاسيس وفق العدالة والمساواة .

محمذن فال ولد محمد يحظيه