القتل حرقا..أسئلة قبل يقظة الفقهاء/ الشيخ أحمد ولد البان

اثنين, 16/02/2015 - 10:58

طرح موضوع الفيديو البشع الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية لحرق الطيار الأردني معاذ لكساسبة أسئلة عميقة على الفقهاء وعموم المسلمين، أظهرها الارتباك الواضح للاثنين (الفقه والمجتمع) لموقف الإسلام من القتل حرقا، وارتباك وعي المجتمع نتاج تراجع دور الفقهاء، وترك كثير منهم البيان الشرعي الصريح في المسائل المستجدة المُلحَّة، وهي مسألة لا يكفي في الحكم عليها نفور النفس منها ولا استساغتها لها – فمذهب المحققين أن التحسين والتقبيح شرعيان وليسا عقليين -.

لذلك أردت طرح بعض الأسئلة لعلها تجد من علمائنا الأجلاء من يجيب عليها فيتضح الصبح لذي عينين:

1 ـ هل استقر الحرق بالنار ضمن العقوبات التي سمحت بها الشريعة الإسلامية في معاملة المعتدين من الكفار أو المحاربين من المسلمين؟ سؤال تبدو الإجابة عليه محرجة للفقهاء المعاصرين الذين يستدعون فتاوى قديمة تقول شيئا من ذلك وينظرون لواقع معاصر لم تعد تلك الفتاوى تمتلك فيه وجاهتها الأصلية لأنه واقع مغاير، ومع ذلك فإن تلك الفتاوى القائلة بالجواز لم تستند لآية صريحة ولا حديث غير متكلم فيه، وكان مرجعها الاستناد إلى تشريع العقوبة المماثلة المأخوذة من عموم آية النحل، ولكن هل يمكن لحديث البخاري الناهي عن التحريق أن يخصص هذا العموم؟ ذلك ما ينبغي أن يثيره أهل الاختصاص.

2 ـ هل الأمر في آية النحل”وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”؛  هل الأمر هنا للوجوب أم للإباحة ؟ المعروف أن الأمر في “عاقبوا” للإباحة، ودليله آخر الآية (ولئن صبرتم لهو خير)، والإباحة تقتضي التخيير، والآية اعتبرت الصبر خيرا، ولعل معرفة سبب نزول الآية يساعدنا في فهم دلالتها، قال الإمام الطبري في تفسيره “قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نـزلت هذه الآية (…)، فقال بعضهم: نـزلت من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقسموا حين فعل المُشركون يوم أُحد ما فعلوا بقتلى المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المُثْلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يومًا، فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية وأمرهم أن يقتصروا في التمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان منهم، ثم أمرهم بعد ذلك بترك التمثيل ، وإيثار الصبر عنه بقوله وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ فنسخ بذلك عندهم ما كان أذن لهم فيه من المُثلة”.

3 ـ هل هناك فرق في التحريق بالنار أثناء قتال العدو كرميه بالقنابل الحارقة وغيرها وبين تحريقه بعد القدرة عليه، قال ابن قدامة:”أما العدو إذا قدر عليه فلا يجوز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه (…) فأما حرقهم قبل أخذهم بالنار فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز رميهم بها، لأنهم في معنى المقدور عليه، وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز في قول أكثر أهل العلم”، أما المسلم فلا قائل بتحريقه إلا قصاصا.

4 ـ إذا كانت مسألة المعاملة بالمثل تخييرية، مرجعها تقدير الظرف والموقف،  فهل ما تقوم به بعض الحركات الجهادية (داعش مثلا) من تحريق للأسرى وذبح قاس لهم يخدم الإسلام والمسلمين أم يضرهما؟، لا شك أن مثل هذه الأفعال الشنيعة وتصويرها وتوثيقها يشوه صورة الإسلام ويقدمه مشروعا دمويا لا رسالة رحمة للعالمين، وهنا يكون النظر إلى مآل الأفعال مُحدِّدا لنمط ردة الفعل، مُرجِّحا خيار العفو أو القتل الحسن (أحسنوا القتلة)، وهي خيارات رجَّحَها الله وندب إليها في الآية التي أعطت حقَّ المعاملة بالمثل عدْلًا وندبت للصبر مبينةً خيريتَه على العقوبة والانتقام فَضْلا:” وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ “.

5 ـ ومسألة النظر في مآلات الأفعال والأقوال وتأثيرها في الحكم الذي يكون أصله مباحا أو مندوبا ليست مبحثا جديدا، بل هي منهج قرآني ونبوي، قرآني حيث يقول الباري سبحانه” وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ “، فسب آلهة الكفار جائز أصلا، ولكنه حرام حين يؤدي إلى سب الذات الإلهية، ونبوي حيث يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة:”لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم”.

إن مسألة حرق لكساسبة أعادت أزمة الفقهاء المسلمين المعاصرين إلى الواجهة من جديد، فلم نسمع كلاما صريحا يقول بالجواز ولا يؤكد الحرمة، وهي أزمة ليس مصدرها فتاوى الأولين بل عقول المتأخرين، حيث إن الأولين أفتوا لزمانهم وظرفهم الحضاري والتدافعي، ولكن فقهاءنا المعاصرين ما زالوا ـ في أغلبهم ـ غير قادرين على مقاربة الواقع المعاصر وإشكالاته شرعيا وحضاريا.

فمتى تكون اليقظة!

 

نقلا عن موقع " إسلام أون لاين "