أجيبوهم في ذكرى "وعد بلفور"

ثلاثاء, 03/11/2015 - 16:17

د.ديمة طارق طهبوب كثيرة هي الأحداث المأساوية في ذاكرة الأمة غير أن النقلة النوعية تحدث عندما تقرر الأمة تجاوز المأساة وحالة التباكي والنوستالجيا الشاعرية والرمزية الى الفعل التغيري الذي يرجعها على سكة العودة والرد واسترداد المسلوب. كان من هذه الاحداث المفصلية ما يعرف "بوعد" بلفور عام ١٩١٧ و هو مصيبة تلتها مصائب أحدثتها القوى الاستعمارية في بلادنا لتبقي بصمة و وجودا لها في منطقة ظلت تنظر اليها على انها بلاد اللبن و العسل التوراتية و ان خرجت بجيوشها منها ظاهريا! أوجدت طفرة سرطانية في المنطقة بقوة سلاح الانتداب ثم شرعنتها بقرار التقسيم من عصبة الأمم ثم حافظ على وجودها المجتمع الدولي و القوى العظمى التي تتشدق علينا بحقوق الانسان و القوانين بل و تستحدث تهما لتجريم محاولاتنا في استرداد حقوقنا!. و الدارس لبعض أسباب صدور هذا "الوعد" يرى أن الاقتصاد و حالة العوز المادي التي عانت منها بريطانيا في الحرب العالمية الأولى كان عاملا مساعدا لصدوره حيث استغلت عائلة روتشيلد الصهيونية سيطرتها على البنوك و مبادرتها لاقراض الحكومة للضغط عليها و ضاعت فلسطين بسبب حفنة مال أخذها من لا يملك ليبيع لمن لا يستحق! و من يومها و المال يشكل عصب تكوين السياسات و توجيه القرارات في القضايا الانسانية المصيرية. و يقل أثر المال و الثروة عندنا و لو فاضت فهو إما مرتهن لسيطرة الغرب يعطوننا قطرة من عين البئر او يمتلكه أغنياء فارغون من كل مضمون سوى الهوى أما أصحاب المبادئ و مواطن الشارع فقد طبقت عليه الحكومات سياسة الإفقار الممنهج حتى لا يجد وقتا لرفع عقيرته من طين الحاجة كما أن ثقافة الزهد في غير محله و أدبيات التقشف تم اعتناقها ببلهٍ و نسيان ان الدين يُنصر بالمال قبل النفس و أنك تحتاج لمال قارون لتنشأ منظومة و مجتمع مقاومة و صمود!. مع كل مفاهيم النصر الالهي و المدد الرباني وضع الله لنا سنة تمكين دنيوي ليظهر فيها أثر عباده و جعل عدتها مادية ليخرج من قلب الانسان الأثرة و الحرص على أعظم متع و زينة الدنيا فيحصل بذلك الانتصار المعنوي البشري على النفس قبل الانتصار المادي على أرض المعركة. في هذه الحادثة الجلل في ٢-١١ قررت لجنة مهندسون من أجل القدس و فلسطين التابعة لنقابة المهندسين الاردنيين ان تطلق المرحلة الخامسة من حملتها المباركة "فلنشعل قناديل صمودها" لتكون لبنة في تغيير ثقافة التعامل مع المآسي و بناء ثقافة الانتصار بالاستثمار في الانسان و تمكينه من وطنه ليكون المدد لإحداث التغيير المؤمل و الموعود، هذه الحملة التي تركز على إعمار بيوت البلدة القديمة المحيطة بالمسجد الاقصى إحاطة السوار بالمعصم ليكونوا رأس الحربة في حمايته من التقسيم و الحفاظ على هويته الاسلامية و العربية. و المتابع لإنجازات الحملة يرى عظم ما حققته من تعمير وترميم وتأهيل ثبت المقدسيين في بيوتهم بل واستحدث مساحات جديدة يمكن السكن فيها وهو انجاز لم تقم به الحكومات ولا الهيئات العربية مجتمعة! إلا أن هذه اللجنة المعتمدة على الجهود والدعم الشعبي تواجه أعدادا عظيمة من البيوت تحتاج الترميم العاجل يفوق عددها ٣٠٠ وتحتاج لخمسة وسبعين عاما من الاعمار على هذه الوتيرة البطيئة لعدم توفر المال الشعبي مع الغياب التام لأي توجه عربي أو إسلامي صادق ورسمي نحو حماية القدس والاقصى!. إن أقل جمعية صهيونية أهلية بحسب تقرير مؤسسة القدس تمول تهويد حي سلوان ب ١٤ مليون دولار وكل مواطن صهيوني حول العالم يدعم الكيان الصهيوني بدولار في أقله ليبقي على الصلة الوجدانية بما يزعمون أنه حقهم وإنه لعجيب أن يكون إنفاق أهل الضلال في الدفاع عن ضلالهم أكثر من إنفاق أهل الهدى في التمكين لهداهم و حقهم!!!. إنه لمن حسن التوفيق أن يكون المكتب المشرف على الإعمار مكتبا يملكه مهندس من إخواننا النصارى هو المهندس سيمون كوبار الذي يقوم بجهد جبار ليلتف على حكومة الاحتلال، مذكرا بإرث جده النصراني مهندس قبة الصخرة يزيد بن سلام الذي كلفه عبد الملك بن مروان ورجاء بن حيوة ببنائها فلما بقي من المال المخصص لها مائة ألف درهم ذهبي بعث لهما به كهدية على جهودهما فرداه قائلين" كان حري بنا ان نصرف حلي نسائنا فضلا عن أموالنا لو احتاج الأمر فاصرفها في أحب الاشياء اليك "فأمر بها الخليفة فصهرت و أفرغت على القبة و الابواب!. سيمون كوبار ومن قبله جده ابن سلام و كل النصارى الشرفاء يؤكد قولهم و فعلهم أن القدس قضية جامعة لكل صاحب مبدأ. إن هذه الحملة خصوصا في ظل الاستهداف الخطير وإطباق فك الكماشة الذي يتعرض له المسجد الاقصى لها خصوصية مختلفة فهي استفتاء شعبي غير رسمي لمكانة هذه القضية الإيمانية من نفوس أهل الأردن خصوصا ونفوس المسلمين عموما حيثما وجد مثل هذا العمل والكل يرقبها من الحكومات وحتى الأعداء ليسمعوا صدى صرخة الاقصى وشهدائه في قلوب الناس، فهل نرد أمر رسولنا صل الله عليه و سلم وهو ينهض من جراحاته في أُحد ومن بين أشلاء الشهداء ولا يرضى أن ينتشي المشركون بنصرهم المؤقت فيقول للمسلمين "أجيبوهم". إننا في الموقف ذاته وإن لم نتحرك الآن فقد نُثبط إلى الأبد فهل يكون جوابنا بالفعل و العمل بأمر رسولنا لبني صهيون أن الأقصى لن يقسم و أن أهله باقون ما بقيت حياة على الأرض و ما بعدها و من هناك يفترق الناس إما إلى جنة أو نار؟! هذا زمان الإجابة و الفعل فلا تدعي الحرص و الانتماء إن بقيت صامتا قاعدا. إسلام ويب